بعد المشاركة في المنتدى الحضري العالمي السابع الذي عقد بمدينة مديين بكولومبيا في أبريل الماضي،
يظل معى خاطر واحد وهو التناقض...
فالمنتدى
الحضري، لمن ليس على علم به، هو أكبر ملتقى
عمراني تقوم بتنظيمه منظمة الأمم المتحدةللمستوطنات البشرية كل عامان فى مدينة
مختلفة، زي كاس العالم كده، بس عن العمارة
والعمران.
ونظرًا
لقيام منظمة تابعة للأمم المتحدة عقد
المنتدى، فغالبية المشتركين هم ممثلين
لحكومات دول العالم من وزارات الإسكان
أو الإدارة المحلية أو مؤسساتهم المانحة،
هذا بالإضافة إلى القطاع الخاص الذي يعمل
بالعمران (بنية
تحتية، تشييد، وسائل تنقل)،
كما توجد مشاركة من المؤسسات التعليمية
الكبرى وبعض مراكز الدراسات، وبالطبع،
منظمات الأمم المتحدة والمؤسسات المالية
الدولية مثل البنك الدولي.
التناقض
الأول كان حاضرًا بشكل رئيس في نقاشات
هذه المؤسسات الرسمية لظاهرة العمران
غير الرسمي؛ العشوائيات أو المجتمعات
المبنية بالمجهودات الذاتية.
فأول
تساؤل خطر على بالى؛ لما الهاجس بهذا
النسق العمراني، والذي ليس بظاهرة جديدة؟
ولكن
التساؤل الثاني دار حول مدى تمثيل هذه
المؤسسات الرسمية لنسق في نظرهم، غير
رسمي؟ فأين ممثلوا هذه المجتمعات نفسها
لتمثل وجهة نظرها في هذا المنتدى العالمي،
وتناقش مشاكلها وتحدياتها بنفسها، خاصةً
أن شعار المنتدى كان "العدالة
في العمران"؟
التناقض
الآخر كان هدف المنتدى نفسه، ممثل فيما
سمى بـ "الأجندةالحضرية العالمية".
فشعار
"العدالة
في العمران"
مثل
الهدف العالمي كما يتم تجسيده فيما يسمى
بـ"الأهداف الإنمائية للألفية بعد عام 2015”،
أو المقصود به الأهداف التنموية الجديدة
بعد انتهاء فترة الأهداف التنموية الحالية،
والتي أسمتها الأمم المتحدة بـ"أهداف
الألفية التنموية"
والتي
ستنتهي فترتها خلال عام.
كلام
معقد كله وده أساس التناقض.
فمشكلة
أي أجندة دولية هي ضياع الفوارق والخصوصيات
المحلية في توحيد المعايير بين عشرات
الدول، ومعه تهميش صوت المجتمعات في بحر
من المؤشرات غير المفهومة، كما تظهر نقاط
تنافس ما بين الحضر والريف، أو الفقر
والعدالة، أو الخاص والعام.
ولكن
تحت عباءة الهيمنة الرسمية بالمنتدى،
صنعت بعض الأصوات لنفسها مكان فرضت فيه
وجهات نظر معارضة.
ففي
المائدة المستديرة التي كان عنوانها
"الباحثون في مجال العمران"،
أظهر لنا أحد المتحدثين حقيقة سيطرة أجهزة
الدولة والقطاع الخاص على عمليات البحث،
وهذا لكونهما الممول الأكبر للجامعات
ومراكز الدراسات...
ولكن
ما كان الحاضر الغائب في النقاش هو كيفية
تعظيم الوظيفة الإجماعية لعملية البحث
لتخدم المجتمعات المحتاجة إليه، وتحويلهم
من مفعول به إلى فاعل.
في
ندوة أخرى كانت عن "كتابة
قانون جديد للعمران؛ تجارب بإفريقيا
وأمريكا اللاتينية"
تمحور
الحديث عن عمليات المضاربة وتسليع الأراضي
وتأثيره على القدرة الشرائية للفقراء...
ولكن
رغم تكرار الحديث بين المتحدثين عن هذه
الظاهرة، لم يتقدم احد بنظرة أشمل عن
التصدي لهذا التهديد المشترك لمجتمعات
هذه الدول.
في
ندوة أخرى قارنت الأوضاع بين أفريقيا
وأمريكا اللاتينية، تمحور الحديث عن
مشاريع الإسكان القومية، وكيف فشلت هذه
النظم الفوقية في هدفها الاجتماعي وسيطر
عليها السياسيون والقطاع الخاص...
ولكن
هل أستمع لهم المسئولون الحاضرون في المنتدى؟ لا أظن.
وهنا
تقع المعضلة.
فبين
عشرات الندوات واللقآت والمحاضرات التي
ملأت أيام المنتدى السبع من فجرهم إلى
ضحاهم، غرقت هذه الأصوات في بحر السردية
الرسمية العالمية.
No comments:
Post a Comment
شارك برأيك