2012/11/20

نزيف الأسفلت والقضبان... ودور المجتمع المدنى

كاريكاتير وليد طاهر عن كارثة أسيوط، الشروق 19.11.2012
ببساطة شديدة طرق مصر من أكثر طرق العالم خطورة على الإنسان، ورغم تفاوت الإحصاءت فيوم السبت، 17 نوفمبر، 2012 وحده رسم الحقيقة المروعة حيث لقى نحو 60 شخص، معظمهم أطفال، مصرعهم فى كارثة أسيوط حين إرتطم بأتوبيس مدرستهم قطار أسيوط - القاهرة على مزلقان قرية المندرة، اليوم نفسه الذى شهد كارثة سير أخرى على طريق الواحات التى أودت بحياة 11 شخص.  71 شخص لاقوا مصرعهم فى حادثى سير فى يوم واحد. فهذه الحقيقة البشعة محتاجة وقفة إذا كان لأحد فينا، أو أبنائنا فرصة لمعيشة كريمة خارج ظلال شبح الموت على الطريق.

فمن الواضح أن حكومات مصر، إخوانية كانت أو حزب وطنية، سياسية أو تكنوقراطية، غير جادة على تحسين مستوى السلامة بطرقاتنا، فبرامج السلامة، إن وجدت، تركز فقط على توعية بعض السائقين ببعض سبل السلامة مثل ربط حزام الأمان، مثل ما تفعله وزارة الصحة مع منظمة الصحة العالمية. فهذه برامج ضعيفة للغاية وتمثل مضيعة للوقت والمال فى لا تتعامل مع السبب الاكبر وهو غياب تجهيزات سلامة الطرق وتدنى مستوى تعليم القيادة - أو غيابه كليا - مع تفاوت وغياب الرقابة على الطرق.

فإن كان التغيير والتطوير لن يأتى من الحكومة، فمن الذى سيقوم بالعمل على حمايتنا وأولادنا من نزيف الأسفلت؟ هنا يأتى دور المجتمع المدنى ليقوم بسد عجز دور أجهزة الدولة كما الحال فى عدة مجالات، وما يلى هو شرح لأساليب تدخل المجتمع المدنى والرقابة على سلامة السير يمكن أن تساعد فى الحد من كوارث السير.

1- تحديد المسئوليات
لا تختلف منظومة التنقل والنقل فى مصر عن باقى المنظومات فى تعدد الجهات المعنية وبعثرت المسئولية بينهم مما يرفع المسئولية المطلقة من على أية منهم على حدة ويصعب عملية تحديد المشكلة والعمل على إيجاد حل لها. فما المكسب الحقيقى لأهالى كارثة أسيوط من إستقالة وزير النقل؟ صفر، فهذا غير كافى لإصلاح أية من المتغيرات التى أدت لحدوث الكارثة. فأين إستقالة مدير إدارة مرور أسيوط الذى من مسئوليته الرقابة على صلاحية السيارات وسائقيها؟

مطلب أساسى يجب الضغط من أجله هو تفعيل دور الإدارة المحلية فى تنظيم ومراقبة المرور ليكون المحافظ هو المسئول الأول عن سلامة الطرق والسير بمحافظته. فيجب نقل تبعية إدارة المرور من وزارة الداخلية إلى المحافظ وخلق إدارة بها مختصة بمراقبة المزلقانات.

وهذا سرد لغالبية الجهات المعنية بإدارة ومراقبة التنقل والنقل فى مصر لمعرفة درجة تعقيد شبكة المسئولية :
2- الحق فى المعلومة
هناك أكثر من جهة تقوم بعمل إحصاءات عن حوادث السير بالإضافة إلى تحليل أسباب الحوادث والتوصل إلى الطرف المسئول عنها. لكن طبقا لخبير البحث الجنائى لحوادث السير، المهندس خالد مصطفى لا يوجد الحد الأدنى من التجهيزات والخبراء لدى إدارات المرور للتوصل لأسباب الحوادث. هذا أمر سهل أن نصدقه لأن من منا كان طرف فى حادث سير وتم التحفظ على موقع الحادث كما هو حتى أتى فريق البحث الجنائى وعاين الموقف كما هو دون تحريك أى من السيارات من مكانها؟

هذا العجز فى المعرفة والمعلومة يتضح حين نقارن إحصاءات لثلاث جهات حكومية لحوادث السير، حيث أن الأرقام غير مطابقة بالمرة.

فطبقا لجهاز التعبئة العامة والإحصاء أن عدد الوفيات فى حوادث السير لعام 2010 كان 7040 مواطن، فى حين أن مركز المعلومات ودعم إتخاذ القرار رصد 4791 قتيل. أما المركز القومى لمعلومات الصحة والسكان التابع لوزارة الصحة يشير إلى أن لاقى نحو 12300 مواطن مصرعهم فى حوادث الطرق عام 2009، والجدير بالذكر أن هذا الرقم لم يتغير كثيرا عن عدة تقارير لمنظمة الصحة العالمية تستشهد بإحصاءات وزارة الصحة يمكن الإطلاع عليها هنا وهنا وهنا.

فبإمكان المجتمع المدنى الضغط لإصلاح وتحسين المنظومة المعلوماتية القائمة سواء التى تقوم بالبحث الجنائى أو التى تقوم بإحصاء معلومات عن الحوادث. فمثلا مركز المعلومات ودعم إتخاذ القرار قام بتجهيز تقرير مفصل عن حوادث السير ولكن لا يسمح لنا كمواطنين بالإطلاع عليها دون موافقة مسبقة. الحق فى المعلومة أحد رواكز عملية تحسين أداء التنقل فى مصر.

قطع الطريق الدائرى إحتجاجا على مصرع مواطن، الخميس، 16.10.2012
3- رصد وتحليل المشاكل وفرض حلول لها
هنا يأتى دور المجتمع المدنى والنشطاء السياسيين فى القيام بدور الرقيب وفى بحث حوادث المرور بنفسه ورفع تقارير مستقلة. فيمكن عمل لجان لمراقبة حوادث السير بكل مدينة، أو القيام برصد وتحليل حوادث السير التى يتم تناولها بالصحف والإعلام. فهناك أماكن تتعدد بها حوادث عبور المشاه بصفة تكاد تكون أسبوعية، مثل على القوص الجنوبى الشرقى للطريق الدائرى بالقاهرة حيث تعددت حالات الوفيات من بين طلبة معهد مودرن أكادمى الذين يستقلون المكروباص إليه ثم يقومون بعبور الطريق للوصول للمعهد فى غياب مكان آمن للعبور. فهل من متابعة، وهل من حل؟ 
أكيد أن هناك مناطق لا تحصى فى مصر على الطرق والمزلقانات تحتاج إلى تدخل سريع لإنقاذ الأرواح، فمن يرصدها؟ 
كورنيش النيل بين ميدان التحرير ومدخل المعادى الثانى، وزارة الإسكان الظل 
 هذه الصورة الجوية توضح تحليل بسيط قمت به على جزء من كورنيش النيل طوله نحو 11 كيلومتر ويستعمله مئات الألاف من المارة يوميا، ولكن توجد فقط سبع أماكن لعبور المشاه الآمن عبارة عن كوبرى مشاه عند مصر القديمة، ومكانين للعبور أسفل كوبر أثر النبى، وأربع إشارات للمرور، فى حين أن هناك سبع إشارات مرور تخدم السيارات فقط ولا تسمح بعبور المشاه الآمن. يمكن رفع درجة الأمان على هذا الطريق دون إدخال تعديلات مكلفة على الإشارات السبع الموجودة ولكن أحدا لم يتحرك.
إذا قامت كل كلية للهندسة بتخصيص مادة واحدة فقط من موادها لرصد الطرق والسكك الحديد المحيطة بها، ستكون عندنا خريطة كاملة لمشاكل الطرق وحلول لها خلال عام واحد فقط.


4- الرقابة على الرعاية الصحية
الجانب الآخر لحوادث الطرق هو الرعاية بعد الحادث، والتى تتطلب منظومتها إلى عملية إصلاح واسعة. فرغم إنفاق الحكومة فى صفقة مشبوهة نحو 2 مليار جنيه على تجهيز مرفق الإسعاف بسيارات حديثة، فيشكوا العاملين بالمرفق حاله كما أن حتى لو كان المرفق يعمل بكفأة عالية، فحال المستشفيات الحكومية التى يقوم الإسعاف بتوصيل المصابين إليه وصل لدرجات من التدنى لا تصدق حيث توفى عدة حلات إصابة بكارثة أسيوط بعد نقلهم إلى مستشفى منفلوط التى لم تكن مجهزة، كما أن إستنفذت مستشفى جامعة أسيوط التى تم تحويل ما تبقى من المصابين إليها نصيبها من حقن الكاربونات التى حسب الناشطة منى سيف، لا تتعدى تكلفتها جنيهان؟ 

لذا مطلوب رقابة شعبية على جميع المستشفيات العامة ونشر تقارير شهرية عن حالاتها لفضح الواقع ولتحريك التبرعات نحو الموارد المحتاجة بطريقة منمقة، كما أننا لابد أن نتضامن مع إضراب الأطباء الذى يهدف إلى تحسين أحوال الرعاية الصحية فى مصر.

5-التضامن مع العمال
شهد العام الماضى عدة إضرابات لعمال هيئة النقل العام بالقاهرة، وسكك حديد مصر، وأخير ألسبوع الماضى، هئية مترو الأنفاق. الأغلبية إعتبروا أنها كلها فئوية ووقف حال للبلد، فى حين أن جزء من مطالب العمال تطهير فساد الهيئات وتحسين الخدمة والسلامة لنا، الركاب (فساد النقل العام ،الفساد التام فى هيئة النقل العام ، فساد السكك الحديدية ،

فهى مسئوليتنا كمجتمع مدنى للتضامن مع هذه الإحتجاجات ولمعرفة مشاكل الهيئات المختلفة لنستطيع أن نضغط للتغيير وتحسين أحوال العمال وبالتالى، أحوالنا. فالنقابة المستقلة لعمال سكك حديد مصر أعلنت أنها ستقوم بإضراب تدريجى من الأسبوع القادم حتى تتحقق مطالبها فى تطهير الهيئة الذى سيسفر عنه تحسين سلامة المزلقانات والقطارات.

هناك دور آخر للمجتمع المدنى، وهو التضامن مع عمليات تأسيس نقابات مستقلة للعاملين على وسائل النقل المختلفة، من موظفين الهيئات إلى سائقى المكروباصات وسيارات النقل. فالعمل على تحسين مستوى معيشتهم وظروف عملهم، هو أيضا العمل على تحسين ظروف وسلامة مستخدمى الطرق والمواصلات، كما أن النقابات تلعب دور أساسى فى المسئولية والرقابة على مستوى السائقين.
 

 
تحدى كوارث الطرق ابعد ما يكون من السهولة، ولكنه ليس بالمستحيل إيجاد حلول واقعية يتم تطبيقها، ولكن المسئولية باتت مسئولية شعبية، وواجب علينا ان نتحملها


قرآت:
رصد لبعض حوادث السير فى مصر
 بلدنا بالمصري: أسيوط أصبحت سرادق عزاء
«بوابة الشروق» ترصد أخطر كوارث قطارات مصر خلال الـ10 سنوات الأخيرة
أهالي قرية بالمنيا يقطعون الطريق الزراعى احتجاجًا على مصرع طفل
شباب ''أتميدة'' بالدقهلية يقطعون الطريق احتجاجاً على وفاة شباب
المئات من أهالى ميت غمر يقطعون الطريق احتجاجا على وفاة أحد الشباب فى حادث تصادم
مصر النهار دة: مصرع 35 فى حوادث طرق بالشرقية 11 1 2011 

جهات من المجتمع المدنى المعنية بسلامة الطريق والتنقل
الجمعية المصرية لرعاية ضحايا الطرق وأسرهم
أمان الطريق فى مصر
المبادرة البيئية  (الموقع باللغة الإنجليزية فقط)
الجمعية المصرية لسلامة الطرق (الموقع باللغة الإنجليزية فقط)
نادى السيارات المصرى
صفحة للعاملين بسكك حديد مصر
مدونة للعاملين بالنقل العام
صفحة للعاملين بمترو الأنفاق

جهات دولية تعمل على سلامة الطرق فى مصر
منظمة الصحة الدولية
الهيئة الألمانية للتعاون
الصليب الأحمر والهلال الأحمر
 
مبادرات من القطاع الخاص
لافارج مصر 
توتال مصر
بى بى
 
 

 

1 comment:

  1. يجب ايضا الاخذ في الاعتبار عمل تحليل عشوائي مفاجيء لسائقي النقل و الميكرباص و الاتوبيسات لأن معظم هؤلاء السائقين يتعاطون المخدرات مما يؤدي لكثير من الحوادث
    , معظم الحوادث الكبيرة يكون المتسبب الاساسي بها سائق نقل او اتوبيس او ميكروباص .

    ReplyDelete

شارك برأيك