2011/12/17

أحمد "الأقرع"، رئيس حى البساتين القادم

البساتين من مجتمعات القاهرة اللى إتبنت بالمجهودات الذاتية وهى محصورة بين المعادى من الجنوب، وصقر قريش من الغرب وجبانة الإمام الشافعى من الشمال، وهضبة الخيالة من الشرق. هى متسمية على منطقة أثرية كان فيها فعلا بساتين مروية من عين ميه، ولكنها تحولت خلال النص الثانى من القرن اللى فات إلى مجتمع قائم على صناعات عدة أشهرها الرخام والحجر.

صورة جوية لشارع مجرى
 عيون إبن طولون، والمجرى باين
 فى منتصف الشارع. Google Earth


أحمد ماهر، الشهير بالاقرع لانه بيحب يحلق زيرو زى احمد السقا، بيعرف نفسه بأنه عنده 27 سنة وسواق مكروباص من منطقة "بير ام السلطان" بالبساتين. لكن لما قابلته ما كانش سايق مكروباص ولا حاجه، وإنما كان قاعد على كرسى خشب بناصية بترب البساتين فى مكان بأعدى منه يوميا فى طريقى إلى المكتب كأنه صاحب شأن ما، أو بلطجى بيلم إتوات من المارة.


لكن البلطجية ما بيعلقوش لوحة مطبوعة مكتوب عليها "إتبرع ولو بجنيه".


شارع مجرى عيون إبن طولون
 بعد بداية اعمال النظافة بالمجهودات
 الذاتية يوم 14.12.2011 / وزارة
 الإسكان الظل
الحقيقة أن أحمد الاقرع ساب شغله على المكروباص وقرر ينظف جزء من الطريق اللى بيمثل شريان الحياة لخط سيره، هو وعشرات المكروباصات غيره، والأهم، الألاف من الركاب اللى بيعتمدوا عليهم فى هجرتهم اليومية إلى أشغالهم.

للدرجه دى إضطر واحد يسيب شغله الأساسى علشان يسلك المرور فى أحد الشوارع اللى بيمر منها؟ آه، للدرجة دى، فالبساتين بقت معروفة بتلال القمامة.

أنا بالصدفة شاهد عيان على مشكلة شارع مجرى عيون إبن طولون لأنى بأستعمله شبه يوميا بقالى أكثر من سنة، فلوجوده بين الترب فى حته مالهاش صاحب إعتاد ناقلى نفايات البناء والمصانع التخلص منها فوق مجرى عيون أثرى لحد ما بيتكون جبل من النفايات يكاد يغلق الطريق تماما، وبعديه بيجيى الحى ويشيلها.

شارع مجرى عيون إبن طولون
 فى شهر نوفمبر 
٢٠١٠ / وزارة الإسكان الظل
بأسأل حد من اللى بيبيعوا رخام فى المنطقة  ليه الحى كان بيسيبها لآخر لحظة، فقاللى "علشان بيعملولها مقايسة لنقلها، وطبعا كانوا بيوزعوا الميزانية عليهم". ومن بعد الإنفلات الأمنى ودخول مؤسسات الدولة فى حالة من البيات الشتوى، راحت الميزانيات فإزدادت النفايات.

أول مرة أخذ بالى من وجود أحمد الأقرع كان فى يوم وأنا معدى، فبدل ما يبقى الطريق بين جبال النفايات يكاد تمر منه عربية واحدة، ألاقى إن مافيش زحمة والعربيات بتعدى عادى، وكمان جزء من مجرى العيون باين. إيه اللى حصل؟

"نظفنا وشيلنا 40 نقلة بنفسنا، كل ما يجيلنا فلوس، بنشيل شوية من الزبالة." والكلام لأحمد الاقرع.

طيب وماحدش بيجى باليل يرمى نفايات؟ بيرد أحمد : "ما إحنا جايبين حراسة ليلية بـ 120 جنيه علشان تمنع أى حد."

طيب بتجيب الفلوس منين، أنت تبع لجنة شعبية أو حاجه؟ "أنا مش تبع حد غير نفسى وكلها مجهودات ذاتية، زى مأنت شايف الناس بتعدى وبتبرع. بأجمد الفكة وبأجيب سواق اللودر أو العربية وبنشيل الزبالة."

اومال أنت عايش إزاى طالاما سبت شغلك؟ "والله بأطلع مصاريف البيت بس من التبرعات ومصاريف الوقفة زى الشاى والسجاير من فلوس التبرعات، والباقى لأعمال النظافة والحراسة."

أحمد الأقرع مع أحد المارة /
 وزارة الإسكان الظل
فى النص ساعة اللى وقفت فيها مع أحمد إتفرجت على الناس اللى معدية. كان كل عربيتين ثلاثة بيتبرعوا، المكروباصات كانوا أكثر ناس بتتبرع وكانوا عارفين أحمد وبيسلموا عليه. ولاحظت إن أكثر الناس بساطة هما أكثر الناس المواظبة على التبرع، فكان فيه موتوسكلات كثيرة بتقف وعربيات بسيطة، ولاحظت عربية مرسيدس بالبيه قاعد ورا عدت من غير ما تتبرع. يظهر أن الناس اللى من المناطق الشعبية حاسه بقيمة المجهود الذاتى أكثر من اى حد تانى.

فبأقول لأحمد أنه كده قايم بدور الحكومة المحلية، فهز كتافه بإشارة "طيب ونعمل إيه."

فسألته لو هو مش خايف يجى الحى ويبوظ اللى هو عمله، فمردش. فغيرت الموضوع وإعترفتله أنى أول يوم شفته إفتكرته بلطجى عاوز إتاوة. فضحك وقالى "ما دى فعلا مشكلة فى المكان، علشان كده حطيط يافطة وزرع وحددت مواعيد للتبرع، فمن بعد المغرب الناس اللى واقفة ما بتطلبش فلوس."

فسألته عن الأمن باليل؟ "هو كان فيه عصابة بتقف فى آخر الشارع وبتثبت الناس، علشان كده بدأت أحط لمد نور على العواميد القديمة وبأشدلها كهربا. إبتدينا بناحية، بس محتاجين فلوس كثير علشان نعمل الشارع كله."

وفعلا بيقابل الواحد منظر بيدل على غياب المحليات وإستبدالها بمنظومة المجهودات الذاتية، فعمود النور موجود وبه كشافه اللى بايظ او محروق، وبعدين فيه كشاف صغير فيه لمبة عادية متركب على نفس العمود. الحاجه الوحيدة اللى كانت بتدور فى مخى هى ليه الإزدواجية وإهدار الموارد.

فسألت أحمد على إيه اللى هايحصل لحد مالنور يشتغل، فقالى أن نفسه فى رخصة سلاح. طبعا إستغربت وقلتله مستحيل الشرطة تطلعله رخصة، فقالى طيب ممكن يجوا يعملوا لجنة بالليل وهاجيب شباب من الحتة تحميهم. فقلتله إنها فكرة كويسة.

كلمنى بعديها عن أحلامه للمنطقة وأن فى ناس بتجيله من شارع الخيالة اللى وراهم بتقوله أن الناس بقت بترمى الزبالة عندهم بدل عنده، وأنه قالهم بعد ما يخلص منطقة مجرى العيون من الزبالة هايجلهم بس أنه ما يقدرش يسيبها دلوقتى. وبعديها هايشتغل على منطقته فى البير فى البساتين.

شارع مجرى عيون إبن طولون
 بعد بداية عملية النظافة
 بالمجهودات الذاتية يوم
 ١٤.١٢.٢٠١١ /
 وزارة الإسكان الظل

سبت أحمد ومساعديه وكملت على المكتب وأنا بأفكر فى التباين بين عمله الإيجابى والذاتى وبين المجلس المحلى السلبى اللى سايب مجتمعات مصر ليلجأوا لمجهودهم الخاص أو أنهم يغرقوا، وحسيت أن لما يبقى فيه إنتخابات للمجالس المحلية، ناس زى أحمد هما اللى لازم يكسبوا فيها ويديروا مناطقهم لأن ببساطة قلبهم على البلد. ناس زى أحمد الثورة مستمرة من خلالهم.

2 comments:

  1. جميل جدا. نفسي اشوف اليوم ده

    ReplyDelete
  2. ياسمين27/12/2011, 21:35

    قصة ترد الروح
    أنا حبيت أحمد الأقرع بجد
    ويمكن ده الحل، علشان نخرج من عبودية الدولة من ناحية، ونقطع عليهم أي سبوبة من ناحية تانية، اللي مش هيعمل شغله ملوش لازمة
    والجميل في القصة أن أحمد الأقرع كمان قادر يغطي مصاريفه من مشروعه
    مثال يُدرس

    ReplyDelete

شارك برأيك