أحد الرحل الشوام بمدينة نصر - رشا عروس |
الرّحل
فيما بين الحضر
تركمان
بلاد الشام الرحّل يفترشون الأراضي
الشاغرة في التبّة في مدينة نصر في القاهرة
*كتبتها رشا عروس، خاص لوزارة الإسكان الظل
كما
في كل مكان، لمنطقتنا إرثها الخاص وعلاقتها
بالترحال والتنقل وهناك مجموعات بشرية
ذات أعداد غير قليلة ما تزال تعيش نمط
الحياة المتنقلة هذه.
وهنا
تبدو كلمة "منطقتنا"
كلمة
فضفاضة، وهي في إطار هذه المقالة المنطقة
الممتدة بين شرق المتوسط والجزء الشرقي
من شمال افريقيا، بهدف التركيز على القوم
الرحّل الذين ظهروا في القاهرة منذ أسابيع
وهم بعض تركمان مناطق بلاد الشام.
لقد
ظهرت مجموعة من هؤلاء (تقدر
بين 300
و
500 شخصاً)i
في
منطقة التبّة قريباً من الحي العاشر في مدينة نصر في أماكن غير بعيدة من سوق
السيارات.
جاؤوا
بكل حاجياتهم ومعدّاتهم /التي
يمكن لكل أسرة جمعها في لفافة كبيرة نسبياً
يجري تركيبها فوق أي تكسي/
بشكل
متعاقب منذ حوالي ثلاثة أشهر حتى الآن.
لقد
جاء التركمان قديماً إلى بلاد الشام حوالي
القرن الخامس الهجري (الحادي
عشر الميلادي)
تحت
اسم السلاجقة التركمان وكان لهم دور فيما
بعد في الصراعات المتعددة على المنطقةii،
وقد اعتنقت كشعوب الإسلام عند وصوله إلى
بلاد وسط آسيا حيث تقع تركستان وغيرها من
الأقاليم التي ترجع أصولهم إليها والتي
سمّاها المقدسي أقليم المشرق وركن الإسلام
المحكم وحصنه الأعظمiii
.
مساكن الرحل بمدية نصر - رشا عروس |
لقد
سمعوا بأن السوريين يُعاملون معاملةً
حسنة في مصر، ووجد البعض منهم الذي اعتاد
الذهاب كل سنة شمالاً إلى سورية، تعويضاً
في الرحلة إلى الجنوب فجاؤوا برّاً من
الحدود مع الأردن إلى سيناء وبالحافلات
إلى القاهرة، وصلت أول مجموعة منهم إلى
محطة المرج وسألت عن أراضٍ فارغة في
المدينة وقادتهم الصدفة إلى منطقة التبة
والعاشر حيث تتوافر مساحات شاغرة كثيرة
بين الأبنية.
فليس
من السهل عليهم السكن على أطراف مدينة
كالقاهرة كما جرت العادة في بلاد الشام،
لأن المسافة المعتادة بين (أطراف
المدينة)
وأقرب
تجمع بشري يؤمّن لهم ماءهم وحاجات أساسية
أبعد مما تطيقه قدرة ترحالهم اليومية.
بالإضافة
إلى أهمية قربهم من مركز المدينة للعمل
بالتسول.
لقد
حطّوا رحالهم في تلك الأراضي الشاغرة
مستغلين دافع المساعدة الكبير لدى المصريين
لمنكوبي سورية، وسمح لهم بالمكوث حراس
(غفر)
الأراضي
أو أفراد من سكان و شاغلي المحلات المجاورة
ممن لديهم قدرة التحكم بالأرض.
ما
يلفت النظر في هذه الظاهرة، هو الجزء
المتعلق بالحيازة، الذي تجري عادتهم على
التماسها بصورة مؤقتة في أراضي الله
الشاسعة حول المدن.
أما
هنا، فالتدابير مختلفة، وبقاؤهم المؤقت
مرتهن بموافقة وحماية هؤلاء "المتحكمين"
بهم
في مناطق وجودهم.
إنها
بطريقة ما شبيهة بطرق ضمان الحيازة في
بدايات ظهور المناطق اللارسمية، حيث يقوم
المتحكمين بالأرض (والذين
يتوافر لديهم عناصر قوة معينة تمكنهم من
القيام بفعل أخذ الأراضي وضمان الحيازة
للمستوطنين)
بحماية
المكان وحماية (إلى
حد ما)
حيازة
الآخرين إلى أن يسقط دورهم كضامنين فيما
بعد يوماً بعد يوم مع تطور المكان.
إلا
أن هذا الإجراء هو يومي هنا، لأن الأرض
ملك خاص، ولأن السكان المحيطين والمتأثرين
بوجود هؤلاء بهذه الطريقة في محيطهم لهم
دورهم في تحديد الفترة الزمنية، هذا ما
يجعل استقرار رحّل مدينتنا صعباً في مكان
محدد، وهم مجبورون على التنقل بين قطع
الأرض الشاغرة حسب رغبة واستفادة المتحكم
بالأرض والطاقة الاستيعابية للسكان
المحيطين.
أثناء
الجولة بين أماكن وجودهم المختلفة في
منطقة التبة، قابلنا السيد أحمد الذي
يتحدث العربية بشكل أفضل من الآخرين، لأن
لغتهم المحكية غير مكتوبة وقليلون منهم
يذهب للمدارس.
قال
لنا إنه مهاجرّ ولاجئ (بمعناها
العاطفي لا السياسي)
أباً
عن جد حيث انتقلت عائلته من مناطق تواجدها
الأصلي في شمال فلسطين منطقة مرج أم عامر
إلى الأردن ثم إلى سورية أما زوجته فقد
اتفق أن وُلدت في دمشق أثناء إحدى جولات
أهلها التنقلية وسُجلت كمواليد دمشق (كما
ظهر في مكان ميلادها).
قالت
لنا سيدة أخرى أنهم عادة ومن سابق عهدهم
المجيء سنوياً إلى مصر ولكن ليس وسط
القاهرة.
كانت
تلك تعدّ الطعام على منقل فحم مليء بالبقايا
المحترقة وكانت خيمتهم بسيطة جداً وتبدو
الأبنية الشاهقة في محيطهم خارج إطار
أحلامهم الزمنية والإنسانية، فهي لا
تغريهم، وقد رفضوا كل عروض السوريين
والمصريين الناشطين (المغرية
حقاً)
الذي
جاؤوهم بغرض احتواء الحالة حيث اعتبرها
كثيرون حالة مسيئة لصورة السوريين بسبب
ادعائهم أنهم سوريون.
تجلب
هذه الحالة غير الاعتيادية فيما تجلب
للقاهرة، مرونة استيعابها الإيوائي ضمن
نسيجها وإن بشكل مؤقت ويطرح تساؤلات عن
نوعية الأماكن التي قد تلعب هذا الدور.
كما
تجلب أفكار نوستالجية لتغني العرب منذ
قرون بحياة الترحال التي لا تضاهيها حياة
ولا يمكن لأي عمران مهما بلغ ترفه وفنّه
تعويض تلك التجربة الخاصة والمميزة كما
في قصيدة ميسون بنت بحدل الشهيرة:
لَبيتٌ
تخفق الأرواح فيه أحبُّ إليّ من قصرٍ
منيفٍ
ولكنها
بالتأكيد لم تكن تعني المكوث في خيام بين
عمارات شاهقات وفي مدينة تحجب التأمل
الذي هو جوهر التجربة بضجيجها وتلوثها
وقليلاً ما تزين سماءها النجوم....
***
قرأت...
كيف يمكنني التواصل مع كاتبة المقال؟ أنا طالبة جامعية، أقوم ببحث عن اللاجئين السوريين في مصر
ReplyDeleteريم
شكرا لمتابعتك، يمكنك إرسال رسالة على بريدنا smoh@mail.com
ReplyDelete