2012/12/19

الكهرباء والحق فى السكن 2 ... قصة عفريت الغاز

الكهرباء والحق فى السكن 2 ... قصة عفريت الغاز
*جزء من سلسلة الكهرباء والحق فى السكن. للإطلاع على الأجزاء الأخرى الأول و الثالث

رغم جلوس مصر على المرتبة الخامسة عشر من بين منتجى الغاز الطبيعى فى العالم، ورغم وجود فائض جعلنا نورد 25% من إنتاجنا السنوى لنحو عشرين دولة، أصابت محطات وزارة الكهرباء إنقطاعات عديدة فى إمدادات الغاز خلال العام الماضى تحديدا، وخلال فصل الصيف من الأعوام الماضية عموما، مما فتح باب الحديث عن إستيراد الغاز الطبيعى من الخارج لسد العجز...

فى وسط أزمة نقص إمدادات الغاز لمحطات الكهرباء العاملة، هناك ثلاث محطات جديدة بدأت العمل هذا العام، بالإضافة إلى نحو 4 محطات أخرى تحت الإنشاء، غير عدة محطات أخرى تحت الدراسة... جميعهم يعملون بالغاز...



كل هذا بالإضافة إلى زيادة وتيرة خصخصة قطاع الكهرباء من خلال عدة مشاريع بالمشاركة مع القطاع الخاص، وزيادة أسعار الكهرباء نحو تحريرها كليا، ومحاولة لطرح نحو نصف أسهم الشركة القابضة لكهرباء مصر... فما معنى كل هذا؟


أين غازنا؟
لن نسمح بتصدير الغاز، المصرى اليوم
شهدت مصر طفرة فى إستخراج الغاز الطبيعى خلال العقد الماضى، حيث تضاعف الإنتاج من 21 إلى62 مليون متر مكعب خلال ثمان أعوام. هذه الوفرة دفعت الحكومة للإعتماد الأساسى على الغاز فى توليد الكهرباء، نحو 80%، مع التوسع فى مد شبكات غاز طبيعى إلى المصانع والمنازل وتحويل ألالف السيارات للعمل به. هذا بالإضافة إلى تصدير نحو ربع الكمية المستخرجة لنحو عشرين دولة. حوالى ثلث الغاز المورد يخرج عن طريق خط الغاز العربى الذى يمد الأردن، بالإضافة إلى سوريا ولبنان، ومخطط لهمد تركيا وأوروبا فى المستقبل القريب، وهو الخط نفسه الذى كان يمد إسرائيل عبر وصلة من العريش لميناء عسقلان،ولكن توقف التصدير بأمر شعبى. بالإضافة هناك محطة لتسييل الغاز بدمياط لشحن حوالى ثلثى الغاز المورد عبر السفن، أغلبها فى إتجاه أوروبا.

رغم الثقة الكبيرة فى إحتياطى الغاز الطبيعى ورغم إنفاق المليارات فى بنيته التحتية، أصبحت ظاهرة إنقطاع الكهرباء فى الصيف لعدة ساعات يوميا، تطل بظلامها علينا كل عام، حيث كان صيف 2012 عامها الثالث على التوالى. فى كل عام من الأعوام الثلاثة، كان مبرر وزارة الكهرباء أن معدل إستهلاك الطاقة زاد وأن الحل فى بناء محطات توليد إضافية. ولكن بعد بناء ثلاث محطات جديدة هذا العام، بزيادة نحو 1800ميجاواط، لازالت الإنقطاعات مستمرة، إلى ما بعد درجات الصيف المرتفعة، فما الموضوع؟
خط الغاز العربى، ويكيبيديا
فالجديد فى إنقطاعات عام 2012 هو نشوب مشادات بين وزارتى الكهرباء والبترول حين إتهمت الأولى الثانية بعدم إمداد المحطات بالغاز الطبيعى. بعد صراع بين الوزارتين، وغالبا بتدخل من حكومة أكبر إهتمام لها إستقرار الشارع السياسى، أوقفت وزارة البترول تصدير الغاز من يونيو حتى نوفمبر 2012 لتلبية الإحتياجات المحلية.


سلاح البترول

فهل زاد إستهلاكنا المحلى فى أوقات الذروة لدرجة أن يتخطى معدل إنتاج الغاز الطبيعى بعد أن كان لا يتعدى 75% منه فى جميع المجالات؟ فطبقا لوزارة البترول، هذا ما حدث بالفعل، ليس لزيادة الإستهالك، ولكن لإنخفاض إنتاجية آبار الغاز. فبعض مصادر وزارة البترول تتهم أعطال وإنخفاض معدل إنتاج آبار معينة، وأخرى تتهم الشركات الأجنبية العاملة على إستخراج الغاز بإخراج جزء كبير من إستثماراتهم خلال العامين الماضيين، تاركين الآبار لتعمل بدرجات منخفضة من العمالة، ولكن من الصعب تصديق أن الإنتاجية إنخفضت بنحو10مليون طن فى عام واحد.

فى الحالة الأولى، هذا عيب تخطيط ومن الصعب أن يحدث لهذه الدرجة، حتى فى ظل حكومات مؤقتة. ولكن فى الحالة الثانية، هل من السهولة أن تتحكم فينا شركات أجنبية لهذه الدرجة؟ فهذا التصرف يفتح المجال لعدة تساؤلات... فهل هذه حركة من الشركات للضغط على مصر لسبب مالى أو سياسى؟ أم هل هذه ألعوبة بين الشركات والحكومة للضغط على الشارع المصرى المحتج ليقبل ما لا يريده؟ أم هل الغرض هو دفع عملية إستيراد الغاز الطبيعى من قطر مع العلم أننا لازلنا نورد الغاز الطبيعى لعدة دول بأسعار تقل النصف أو أكثر عن ما سيتم تسديده للغاز المستورد، ومع العلم أن هذا سيخفض القوى الشرائية للجنيه ويدفع لتعويمه؟

الأرقام حسب مركز المعلومات ودعم إتخاذ القرار، وزارة الإسكان الظل
الدليل على سياسة لى الذراع هو الخطاب السرى الذى أرسلته وزارة البترول لوزارة الكهرباء لتنبيهها بعدم استطاعت وزارة البترول تلبية إحتياجاتها من الغاز خلال العام الحالى 2013/2012 مما سيسفر عنه عجز بنحو ثمانية ميجاواط من الكهرباء، أى ضِعف عجز الصيف الماضى فى أوقات الذروة. فمن الواضح أن الصيف سيكون مظلما ليس لعدم إستكمال المحطات التى ستقوم بإنتاج 4050 ميجا واط إضافية، أوالشبكات الجديدة كما تدعى وزارة الكهرباء، ولكن للمضى فى تصدير الغاز للدول الأخرى، والذى تم إستئنافه فى نوفمبر الماضى.
----
الحقيقة أن أمر الغاز مريب ومعقد وغامض. فمن الواضح أن الحكومة غير قادرة، أو غير راغبة فى إخراج مصر من عقود تصدير الغاز المجحفة، فقطع الغاز عن محطات الكهرباء مستمر، بما تشهد له حادثة خروج ستة من محطات الكهرباء عن الشبكة الأسبوع الماضى فقط، والذى يمكن أن يكون متعلق بزيادة كميات الغاز للأردن تجنبا لترحيلها 1900 عامل مصرى. وبالتالى تمشى هذه الحكومة على خطى النظام السابق فى تحميل المواطن عبئ دعم الطاقة لدول أخرى، وبذلك حرمانه من حقه فى طاقته.

2 comments:

  1. كلام رائع و موثق و يتفق بشدة مع ما نحاول زيادة نشر وعى المصريين به على مجموعتنا "حلاوة شمسنا" على الفيس بوك منذ فبراير 2010 .. إسمحولى الإشارة عنكم على مجموعتنا فأرى فى توحيد الجهود فائدة لبلدنا .. تحياتى بجد :-)

    ReplyDelete
  2. شكرا على رسالتكم وتشجيعكم. كل محتوى المدونة تحت رخصة المشاع الإبداعى، فالنشر وإستخدام المحتوى بالإشارة إلى صاحب المحتوى مسموح!

    ReplyDelete

شارك برأيك