د. مصطفى مدبولى أثناء عرض مخطط مصر 2052 | وزارة الإسكان الظل |
الدكتور مصطفى
مدبولى يعتبر رابع وزير إسكان منذ إندلاع ثورة العدالة الإجتماعية فى 25 يناير
2011. فلأول مرة فى تاريخها الحديث يتقلد وزارة الإسكان أربع وزراء فى غضون ثلاثة
أعوام، حيث كان يتولاها وزراء ما قبل الثورة لفترات تقترب أو تزيد عن العقد.
ولثانى مرة فى تاريخها الحديث يرأسها مخطط عمرانى (الأول كان الدكتور طارق وفيق فى حكومة هشام قنديل)، حيث تقلدها عادة مهندسون مدنيون بخلفية
تنفيذية، آخرهم المهندس إبراهيم محلب.
فمن السهل تصنيف د. مدبولى أنه شخص غير معنى
بالعدالة الإجتماعية، فهو كان المخطط الرئيس لمخطط القاهرة 2050 والذى نذر بالإخلاء القسرى لمئآت الآلاف من
المواطنين الذين فوجئوا بتصورات المشروع التى إقترحت إستبدال
مجتمعاتهم بمنتجعات ومراكز تجارية وطرق
سريعة (من ص122)، فرؤية تطوير العاصمة بنيت على تسليع جميع
أراضيها المميزة .
من السهل أيضاً
تصنيفه كمتبنى فكر مدرسة التخطيط الفوقى، وأنه لا يؤمن بوضع مخططات بمشاركة السكان
المعنيين، حيث أنه كان المسئول الأول لوضع مخطط مصر 2052 الإقليمى والذى رسم خريطة للتنمية العمرانية
المتكاملة فى وقت حل المجالس المحلية الشعبية، أى فى غياب مشاركة ديمقراطية للمواطنين
المعنيين على المستوى المحلى.
ولكن الأهم من هذا
كله هو إشارة سيرة الدكتور مدبولى الذاتية أن له خبرة طويلة فى مجال الدراسات
العمرانية، وهى جميعاً دراسات تشير إلى إلمامه بقضايا الإسكان والعمران التى تؤثر على ملايين
المصريين، خاصةً من بعد العدالة الإجتماعية والتى صرح وزير الإسكان السابق ورئيس
الوزراء الحالى، إبراهيم محلب، بأنها أهم أولويات حكومته.
فتتربع قضية إرتفاع
أسعار السكن على قائمة أولويات العدالة الإجتماعية فى مجال السكن، حيث تزداد
الفجوة بين الدخل وبين أسعار السكن، الإيجار منه والتمليك، بصفة مطردة كل عام.
فسياسات الحكومات المتعاقبة صنعت وزير الإسكان الفاخر، والذى يشجّع ويدعم
الإستثمار العقارى ويفتتح معارضها. فوزير الإسكان يرأس أكبر مطوّر عقارى فى مصر،
وهى هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، والتى تم تخصيص نحو مليون فدان من أراضى
الدولة لها بغرض التنمية العمرانية، ولها التصرف فيها للمطورين والمستثمرين وبرامج
الإسكان الإجتماعى. شهدت أسعار أراضى الهيئة ببعض المدن الجديدة تزايد بنحو 16 ضعف
خلال العقد الأخير، مما ترتب عنه زيادة مواكبة فى اسعار السكن، حيث زادت أسعار
الإسكان المدعم 260% فى الفترة نفسها. فالدكتور مدبولى مُلم بكافة تفاصيل قوانين
وسياسات الأراضى ومشاكل برنامج المدن الجديدة كما يظهر لنا فى ورقة السياسات التى شارك فى
كتابتها عن إصلاح منظومة إدارة أراضى الدولة، فهل سيعمل على بلورة سياسات توضع رقابة على
سوق الأراضى والعقارات، وكبح تضخم الأسعار؟
ثانى القضايا أهمية
هى إنتاج الإسكان المدعم نفسه. فشروط التقدم للإسكان المدعم الأخيرة التى قدمها
إبراهيم محلب عندما كان وزير الإسكان، ووافق عليها مجلس وزراء حازم الببلاوى، توجه
مليارات الدعم والإستثمارات بمشروع الإسكان الإجتماعى، أو المليون وحدة، إلى النصف
الأعلى دخلاً من المواطنين. فغالبية الوحدات بنظام التمليك عن طريق التمويل
العقارى، والذى يتطلب حد أدنى للدخل يحرم الفئآت الفقيرة والأكثر فقراً منه. فالدكتور
مدبولى أيضاً ملم بتسبب آلية التمويل العقارى فى تسرب الدعم للفئآت الأعلى دخلاً
وأهمية تقديم حزم مختلفة من الدعم تكون متاحة لمختلف فئأت الدخل كما أكد فى مقاله البحثى بتقرير التنمية البشرية، فهل سيتم تعديل الشروط ومنح غالبية الوحدات
لتصبح بنظام الإيجار بدلاً من التمويل العقارى، خاصة وأن قانون الإسكان الإجتماعى
الجديد سيتم إقراره قريباً؟
ثالث القضايا الملحة
والتى تقع فى صلب مسئولياته، هى رفع مستوى خدمات مياه الشرب والصرف الصحى
بالمجتمعات المحرومة والمهمشة، أى العشوائيات والريف. فهناك نحو 2.3 مليون أسرة محرومة من مياه
الشرب الآمنة، خاصة فى الصعيد، بالإضافة إلى حرمان نحو نصف المصريين من الصرف الصحى
المحسًن. فهل سنرى إعادة تخصيص نصيب الأسد من مليارات الإستثمارات فى قطاع مياه
الشرب والصرف الصحى، والتى تذهب للمدن الجديدة التى ظلت مدن أشباح لسنوات طويلة لا يسكنها إلا أقلية، لتوجًه للمجتمعات
والمحافظات الأكثر إحتياجاً؟
رابعاً وأخيراً،
فتظل قضية منظومة التخطيط العمرانى، والتى إفتقدت إلى المشاركة الفعالة
والديمقراطية للسكان. فقد فشلت منظومة التخطيط الفوقى فى الحد من
إمتداد العمران على الأراضى الزراعية، وفى توجيهه نحو الظهير الصحراوى، كما فشلت
فى التوزيع الجغرافى العادل لإستثمارات التنمية. والدكتور مدبولى أيضاً على درايا بمشاكل المدن الإقليمية والريف، فهل سيعاد تقييم هذه المنظومة
وتأسيس قاعدة للمشاركة الديمقراطية فى وضع خطط التنمية وتوزيع الموارد؟
فمن الواضح أن
الدكتور مدبولى جاهز لخوض معركة إعادة كتابة سياسات الإسكان والعمران لتخدم
العدالة الإجتماعية، فعمله البحثى يؤله لذلك، كما يسانده دستور يحوى مواد عدة عن الحق فى السكن والتنمية
العمرانية وافق عليه غالبية المصريين. كما أن تعديل السياسات لا يتطلب إلى أى موارد
إضافية، فالميزانيات جميعا موجودة ومخصصة، كل ما هو مطلوب قيمة الحبر والورق
لإعادة توزيعها.
No comments:
Post a Comment
شارك برأيك